الأحد، 21 مارس 2010

حب ستوري

شاهدت مؤخرا مسرحية "حب ستوري" التونسية، في إحدى قاعات باريس. وهي من نوع "المسرح المعاصر" (لا زلت لا أفهم تحديدا معنى هذا المصطلح..)
موضوع المسرحية هو الحب والجنس عند العرب. أسئلة، حوارات، ضحك، غناء، للإجابة على استفهام المخرج الذي يمكن تلخيصه كما يلي: كيف صار العشق "تابو" في وطن النفزاوي وابن حزم، و أتباع دين "لا حياء في الدين"؟




المسرح و التلفزيون
من الطريف أن هذا العمل المسرحي يأتي في شكل سلسلة مقاطع تلفزيونية منها الشريط الوثائقي والبرنامج الفني ومنوعات "تلفزيون الواقع"، مع إمكانية ربح ثلاجة في لعبة SMS :)
القراءة الأولى هو أن المسرح يختطف التلفزيون ويتلاعب برموزه في نوع من الانتقام من انتصار الشاشة على الفن الرابع (و أشكال فنية أخرى) والذي عززه "الغزو الفضائي" الذي تشهده الشاشة العربية.
ولكن اقتران هذا "الاختطاف" بموضوع "التابوهات" الجنسية قد يحيل أيضا إلى تأخر المسرح على التلفزيون حتى في هذا المجال الحساس السري "النخبوي".. نذكر مثلا مسلسل "مكتوب" الذي قسّم الشارع التونسي نصفين. فقد عاب عليه ناقدوه طرحه الفرجوي و جودته المتوسطة (مع "قلة الحياء"!)
لذلك كان من المنتظر أن يأتي "حب ستوري" كنقيض موجّه للمثقّفين، بصيغة أكثر رقيّا و تعقيدا. ولكن المفاجئة أتت في سهولة الخطاب، المقترن مع تركيب زمني معقد، جعلني أدوخ.
وكأني أتفرج في التلفاز وأحدهم يغير القناة كل بضعة دقائق. لعلي لست متضلعا في قيادة "الريموت"، لكن من الأكيد أن المتفرج التلفيزيوني المواظب سيسعد بإيقاع المسرحية.
حب ستوري: مسرحية لكل مشاهد (تلفزيوني)
لقراءة رأي أكثر جدّيّة: انقر هنا

الخميس، 4 مارس 2010

حسناء السّيّد

ألف مبروك!
رزق السيد جان ساركوزي (نجل السيد الفاضل نيكولا ساركوزي) وحرمه بمولود سمياه "صولال".
نتمنى للبيبي حياة طويلة ملؤها السعادة والعافية في كنف والديه، وأن يكون من الذرية الصالحة، إلخ.

أما بعد،
فإن اسم "صولال" هذا هو اسم الشخصية الرئيسية في "حسناء السّيّد" وهي الرواية المفضلة لنيكولا ساركوزي.
الكتاب يروي قصة حبّ تراجيدية بين شاب نجح في السياسة و تألق في المجتمع (صولال) و امرأة من عائلة محافظة، وتبدأ باختطاف المرأة الذي تليه فترة من السعادة واللامبالاة. لكن علاقتهما تدفع بهما شيئا فشيئا إلى الإنعزال عن المجتمع، فيدخلان في دوامة من الملل و"نفاق العشّاق" ويكتشفان أن الإنفراد بالحبيب والانسحاب من حياة المجموعة يجعل عذوبة الحبّ مرارة ودلال المعشوق تصنّعا مقيتا.
يقدّر الكثيرون الكاتب "ألبير كوهين" لا سيما أنّه قضّى حوالي ثلاثين سنة حتى يتمّ كتابة الرواية!
و لكنني أيضا أهل للتقدير لأنّ قراءة الرواية ليست بالأمر الهيّن، ففيها 1100 صفحة، منها مقاطع غريبة حيث تخاطب البطلة قطّتها الوهمية وتخوض في حوارات ذاتية مفكّكة، لكن عليك قرائتها لتفهم القصّة!
كما أن الرواية تعبر بنا أنواعا أدبية عديدة، منها السرد التاريخي والوصف الساخر والحوارالكوميدي (خاصة بين أقارب صولال)، والشرح السيكولوجي، والتركيب التراجيدي الذي يجعلك تتخوف من سوء العاقبة.
كتاب ثري هو خلاصة خبرة رجل عاش تجارب عديدة، فنجح في تلخيص العقد الدفينة وأسرار الحبّ وخفايا المجتمع والسياسة. لذلك ليس غريبا أن يعجب أصحاب المناصب العليا، إلى درجة تسمية حفيدهم باسم بطل الكتاب :-)

الأحد، 21 فبراير 2010

"عيد الحبّ" في باريس


يبدو أنّ موضة عيد الحبّ "الفالنتين" بدأت تمرّ فلم ألاحظ التّخمة الإعلامية والتسويقية التي عهدتها فرنسا في السنوات الماضية. طبعا لا تزال المطاعم مزدحمة يوم 14 فبراير، فلا تتخيل أنك ستستطيع أن تجد مكانا في مطعم بدون حجز، لكنّ الفرنسيين تعقّلوا إزاء هذه الظاهرة.
و بعضهم يعادي الفالنتين ككاتب هذا المقال، الذي قمت بترجمته لكم.
تلك هديتي لكم في عيد الحب، أبرهن بها لكم عن خالص مودّتي :-)

عذاب الفالنتين
راقبوا الطابور أمام دكان الزهور الليلة، تروا أتعس المناظر: رجال يصطفّون كالخرفان، عزموا على المساهمة في بنك العواطف، جاءوا يجدّدون اشتراك الغرام الذي كان ذات يوم غير مرهونا بأموال..
"فالنتين"، رمز الحب الإجباري، بدعة الصاغة و المطاعم و باعة الزهور، صارَ نسخة سنوية من اللقاء الأسبوعي.. مهما تثبتّوا في وجوههم فلن تجدوا أثرا للفرحة التي جاءوا يشترون برهانا لها.



حب مطابق للمواصفات
لو كنت امرأة لاعتبرتها إهانة: واجب يؤدّونه و كأنّه إجراء إداري.. يقولون "عيد الحبّ".. أيّ حبّ هذا الّذي يثبتونه بشهادة"؟ إنّه "حبّ مطابق للمواصفات"، وهو روح هذه العاده القائمة على الخوف من العتاب أوالتقصير في التقليد. ما أقلّ عزّة أولئك و كرامتهم، عندما يشتركون بجبن في طقوس يدّعون أنها عريقة رغم أنّها أحدث حتّى من عيد هالوين المستورد [..] هل يُعقل التخطيط للحنان؟ هل يتغذى بزهور مقرطسة ووجبات مطهوّة على عجلة؟
يلله ، تقدّم في الطابور، جهّز النقود، سوف يعطونك فاتورة تقيّم إدارتك للعواطف، أيها المسكين[..] سوف تمشي بسرور، بعد أن تطمئن ضميرك، لكن ليس قلبك.. فهو سيذبل مثل تلك الزهور التي تثبتَّ مليّا في ثمنها قبل اقتنائها، بلهفة خشية أن يلهفها رجل آخر. ها قد صرتم متنافسين، رغم أنّ لكلّ منكم شريكة حياته! يلله، قدّم قربانك للقدّيس فالنتين. لقد تحوّل العشق إلى مجرّد عبادة حقيرة كئيبة..[..]

انتهى



الأحد، 31 يناير 2010

شارل وعبد الرحمان أو معركة بلاط الشهداء










تحضى منطقة "تورين" (وهي المنطقة المحيطة بمدينة تور الفرنسية) بمنزلة رفيعة لدى السياح والمؤرخين و أحباء التراث، فطبيعتها الفتانة وموقعها الاستراتيجي بالقرب من باريس جعل الملوك والأمراء يشيدون فيها القصور.
حتى العلامة ليوناردو دا فينشي سكن فيها لمدّة.
(في المقال صور كنت التقطتها منذ أكثر من 10سنوات في منطقة تورين قبل انتشار الصور الرقمية، فهي ستعجب من يحنّ إلى الصور الورقية. عذرا لمهووسي "البيكسيل"!)

لكن قبل فترة القصور العظيمة، فقد عرفت "تورين" أحداثا حاسمة رسمت ملامح المنطقة المعروفة اليوم باسم فرنسا. وهي معركة بلاط الشهداء.











أحداث تلك الفترة يرويها الكاتب جورجي زيدان في قصة "شارل و عبد الرحمن" (سلسلة روايات تاريخ الإسلام) وهي تدور سنة 733 للميلاد، من فتح بوردو إلى معركة بواتييه.
ورغم عنوان الرواية فإنّ أهمّ شخصيّاتها الفاعلة من النساء
  • سالمة وهي سبية مسيحية مناصرة لجيش المسلمين
  • مريم بنت سالمة
  • ميمونة الجارية صاحبة المكائد و حليفة الإفرنج

"غير أنّ الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة" :-) لذلك فكل واحدة من هؤلاء النساء تقف وراء قائد:
  • عبد الرحمان الغافقي أمير جند العرب، والذي ائتمن سالمة وكلّفها مهمّة ترغيب سكّان المنطقة الغالييين المسيح في العيش تحت حكم المسلمين
  • هانئ قائد فرسان العرب، و بينه وبين مريم حب متبادل، و قد عقدا العزم على الزواج في حال انتصار العرب على الإفرنج.
  • الدوق أودو عدو المسلمين، و الذي استنجد بعدوه شارل بإيعاز من جاسوسته ميمونة.


كما يجب ذكر شخصية "بسطام" وهو أمير بربري انخرط في الفتوحات مع رجاله طمعا في الغنائم. وبالرغم من بسالتهم في الحرب إلا أنّ تصرّفاتهم عرقلت مساعي المسلمين على المدى الطويل، إذ يرجع المؤرخون، (و كذلك كاتب القصة) هزيمتهم إلى تضارب الأهداف، و كثر الجشع والتحاسد بين الأعراق والقبائل، كما أنّ بعض الجنود حملوا من الغنائم ما أثقلهم و عطّلهم عن الحرب.









من ناحية السرد فإنّ أحداث القصّة تجري في اتجاه واحد وهو اللقاء المحتوم بين جيش المسلمين وجيش أودو المستنصر بشارل. طبعا تتم المعركة في آخر الكتاب.
من الناحية التاريخية: كان شعب المنطقة من الغالييين/الرومانيين، وكانوا يعتبرون الافرنج (وهم من قبائل الجرمان القادمة من الشمال) غزاة مثلهم مثلهم مثل العرب، و يقال حتّى إنّ العرب كانوا يعتبرون أرحم لهم من الافرنج إلا أنّهم في النهاية انصاعوا لهؤلاء، فمكثوا في البلاد وأعطوها اسم فرنسا. ومن يدري لو انتصر عبد الرحمان ماذا كان يصبح اسمها اليوم يا ترى؟

الجمعة، 15 يناير 2010

لؤلؤ البحرين

(معرض "لؤلؤ البحرين" في معهد العالم العربي بباريس)












توجد في الخليج أجود اللّآلئ الطبيعية في العالم أمام كلّ المناطق الأخرى في المحيط الهندي (خليج مانور، سري لانكا)، و المحيط الهادي (استراليا، فينزويلا، باناما، المكسيك) سواء من ناحية الجودة أو الكثافة.
و أثمانها تصل إلى أرقام قياسية (و كانت الحراسة في المعرض تدلّ على ذلك!)

اللؤلؤ و الأساطير
تروي الأسطورة أنّ صَدفة طفت على سطح المحيط، وأمسكت بقطرة مطر ثمّ غاصت بها إلى القاع فحوّلتها إلى لؤلؤة.
و تروي ملحمة جلجامش السومرية أنّ غوّاصا وجد لؤلؤة تمنح الإنسان الخلود، و تحتوي الملحمة كذلك على وصف دقيق لعملية الغوص، ومن الواضح أنّها لم تتغير من ذلك الزمان أوائل القرن العشرين!



اللؤلؤ و الأساطيل :-)

اكتشفت بفضل المعرض أن البحرين قد طالها النفوذ البرتغالي، وهو أمر طبيعي فقد كان البرتغاليون أسياد البحار آنذاك ووجود ثروات طبيعية يجلب أصحاب المطامع و الأمر لم يتغير إلى اليوم، تماما مثل طريقة الغوص :)


و لكن عوض أن نغوص(و نغرق) في بحار التفكير في ثروات الخليج، دعنا نوغل في بحور الشعر البرتغالي و ملحمة اللوسياذة (وهي النظير البرتغالي للإلياذة)

يقول الشاعر لويس دي كامويس في اللوسياذة :


لا تكفي جبال الملح
لتَقِيَ من الفساد الأجساد
التي غطت الشواطئ وخنقت البحار
في جيروم و مسقط و القريعات
إلى أن يجبرها بقوة قبضته
هذه المملكة الحزينة على الإنحناء دون اعتراض
وآداء ضريبتها ا لسنوية من لآلئ البحرين




هذا الرأس القريب "آسابوروس"،
يسميه البحارة "رأس موسندم"
يشير إلى مدخل الخليج، بين بلاد العرب و فارس العظيمة
منه ترى البحرين حيث قاع المحيط
تغطيه اللآلئ و كأنّه السّحر
و ترى دجلة والفرات يلتقيان
و يقتسمان الدلتا جاريَيْن نحو المحيط